كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولا يصح الاجتهاد ألبتة في شيء يخالف نصًا من كتابه أوسنة ثابتة. سالمًا من المعارض.
لأن الكتاب والسنة حجة على كل أحد كائنًا من كان. لا تسوغ مخالفتهما ألبتة لأحد كائنًا من كان فيجب التفطن. لأن المذهب الذي فيه القليد يختص بالأمور الاجتهادية ولا يتناول ما جاء فيه نص صحيح من الوحي سالم من المعارض.
قال الشيخ الحطاب في شرحه لقول خليل في مختصره: مختصرًا على مذهب الإما مالك بن أنس ما نصه:
والمذهب لغة الطريق ومكان الذهاب. ثم صار عند الفقهاء حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الاجتهادية اه. محل الغرض منه بلفظه.
فقوله: من الأحكام الاجتهادية تدل على أن اسم المذهب لم يتناول مواقع النصوص الشريعة السالمة من المعارض.
وذلك أمر لا خلاف فيه لإجماع العلماء على أن المجتهد المطلق إذا أقام باجتاده دليلًا. مخالفًا لنص من كتاب أوسنة أوإجماع. أن دليله ذلك باطل بلا خلاف.
وأنه يرد بالقادح المسمى في الأصو ل بفساد الاعتبار.
وفساد الاعتبار الذي هو مخالفة الدليل لنص أوإجماع من القوادح التي لا نزاع في إبطال الدليل بها. وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود في القوادح:
والخلف للنص أوإجماع دعا ** فسادالأ لاعتبار كل من وعى

وبما ذكرنا تعلم أنه لا اجتهاد أصل ولا تقليد أصلًا في شيء يخالف نصًا من كتاب أوسنة أوإجماع.
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن بعض الناس من المتأخرين أجاز التقليد. ولوكان فيه مخالفة نصوص الوحي. كما ذكرنا عن الصاوي وأضرابه.
وعليه أكثر المقلدين للمذاهب في هذا الزمان وأزمان قبله.
وبعض العلماء منع التقليد مطلقًا. وممن ذهب إلى ذلك هو منداد من المالكية. والشوكاني في القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد.
والتحقيق: أن التقليد منه ما هو جائز. ومنه ما ليس بجائز.
ومنه ما خالف فيه المتأخرون المتقدمين من الصحابة وغيرهم من القرون الثلاثة المفضلية.
وسنذكر كل الأقسام هنا إن شاء الله مع بيان الأدلة.
أما التقليد الجائز الذي لا يكاد يخالف فيه أحد من المسلمين فهو تقليد العامي عالمًا أهلًا للفتيا في نازلة نزلت به. وهذا النوع من التقليد كان شائعًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلاف فيه.
فقد كان العامي. يسأل من شاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن حكم النازلة تنزل به فيفتيه فيعمل بفتياه.
وإذا نزلت به نازلة أخرى لم يرتبط بالصحابي الذي أفتاه أولا بل يسأل عنها من شاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعمل بفتياه.
قال صاحب نشر البنود في شرحه لقوله في مراقي السعود:
رجوعه لغيره في آخر ** يجوز للإجماع عند الأكثر

ما نصه: يعني أن العامي يجوز له عند الأكثر. الرجوع إلى قول غير المتجهد الذي استفتاه أولا في حكم آخر لإجماع الصحابة رضي الله عنهم. على أنه يسوغ للعامي السؤال لكل عالم. ولأن كل مسألة لها حكم نفسها.
فكما لم يتعين الأول للاتباع في المسألة الأولى غلى بعد سؤاله. فكذلك في المسألة الأخرى. قاله الخطاب شارح مختصر خليل.
قال القرافي: انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء من غير حجر.
وأجمع الصحابة على ان من استفتى أبا بكر وعمر وقلدهما فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما. ويعمل بقولهم بغير نكير.
فمن ادعى رفع هذين الإجماعين فعليه الدليل. اه. محل الغرض منه.
وما ذكره من انعقاد الإجامعين صحيح كما لا يخفى. فالأقوال المخالفة لهما من متأخري الأصو ليين كلها مخالفة للإجماع.
وبعض العلماء يقول: إن تقليد العامي المذكور للعالم وعمله بفتياه من الاتباع لا من التقليد.
والصواب: أن ذلك تقليد امشروع مجمع على مشروعيته.
وأما ما ليس من التقليد بلا خلاف؟ فهو تقليد المجتهد الذي ظهر له الحكم باجتهاده. مجتهدًا آخر يرى خلاف ما ظهر له هو ن للإجماع على أن المجتهد إذا ظهر له الحكم باجتهاده لا يجوز له التقليد غيره المخالف لرأيه.
وأما نوع التقليد الذي خالف فيه المتأخرون. الصحابة وغيرهم من القرون المشهود لهم بالخير. فهو تقليد رجل واحد معين دون غيره. من جميع العلماء.
فإن هذا النوع من التقليد. لم يرد به نص من كتاب ولا سنة. ولم يقل به أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا أحد من القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير.
وهومخالفة لأقوال الأئمة الأربعة رحمهم اللهن فلم يقل أحد منهم بالجمود على قول رجل واحد معين دون غيره. من جميع علماء المسلمين.
فتقليد العالم المعين من بدع القرن الرابع. ومن يدعي خلاف ذلك. فليعين لنا رجلًا واحدًا من القرون الثلاثة الأول. التزم مذهب رجل واحد معين ولن يستطيع ذلك أبدًا. لأنه لم يقع ألبتة.
وسنذكر هنا إن شاء الله جملًا من كلام أهل العلم في فساد هذا النوع من التقليد وحجج القائلين به. ومناقشتها. وبعد إيضاح ذلك كله نبين ما يظهر لنا بالدليل أنه هو الحق والصواب إن شاء الله.
قال الإمام أبو عمر بن عبد البر رحمه الله. في كتابه جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله. ما نصه:
باب فساد التقليد ونفيه والفرق بين التقليد والاتباع.
قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه. فقال: {اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله} [التوبة: 31].
وروي عن حذيفة وغيره قالوا: «لم يعبودهم من دون الله ولكنهم أحلوا لهم وحرموا عليهم فاتبعوهم».
وقال عدي بن حاتم: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي عنقي الصليب فقال لي: «يا عدي: ألق هذا الوثن من عنقك». فانتهين إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية: {اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله} قال قلت يا رسول الله: إنا لم نتخذهم أربابًا. قال «بلى أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه ويحرمون عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه؟ فقلت بلى فقال: تلك عبادتهم»
حدثنا عبد الوارث بن سفيان ثم ساق السند إلى أن قال عن أبي البختري في قوله عز وجل: {اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله} أما أنهم لوأمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم ولكنهم أمروهم. فجعلوا حلال الله حرامه. وحرامه حلاله فأطاعوهم. فكانت تلك الربوبية.
قال وحدثنا ابن وضاح. ثم ساق السند إلى أن قال عن أبي البختري قال: قيل لحذيفة في قوله: {اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله} [التوبة: 31] أكانوا يعبدونهم؟ فقال لا. ولكن كانوا يحلون لهم الحرام فيحلونه ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه.
وقال جل وعز: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قال مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ابَاءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثارهم مُّقْتَدُونَ قُلْ أَولوجِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ابَاءَكُمْ} [الزخرف: 23- 24].
فمنعهم الاقتداء بآبائهم من قبو ل الاهتداء. فقالوا: {أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34].
وفي هؤلاء ومثلهم قال الله عز وجل: {إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الصم البكم الذين لاَ يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22].
وقال: {إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا وَرَأَوُاْ العذاب وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب وَقال الذين اتبعوا لَوأَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ الله أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 166- 167].
وقال عز وجل عائبًا لأهل الكفر وذامًا لهم: {مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قالواْ وَجَدْنَا ابَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 52- 53].
وقال: {وَقالواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا} [الأحزاب: 67].
ومثل هذا في القرآن كثير من ذمتقليد الآباء والرؤساء.
وقد احتج العلماء بهذه الىيات. في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها. لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر.
وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد. كما لوقلد رجل فكفر وقلد آخر فأذنب. وقلد آخر فـ: مسألةدنياه فأخطأ وجهها. كان كل واحد ملومًا على التقليد بغير حجة.
لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضًا. وإن اختلفت الاثام فيه.
وقال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حتى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115].
وقد ثبت الاحتجاج بما قدمنا في الباب هذا. وفي ثبوته إبطال التقليد أيضًا.
فإذا بطل التقليد بكل ما ذكرنا وجب التسليم للأصو ل التي يجب التسليم لها. وهي الكتاب والسنة أو ما كان في معناهما بدليل جامع بين ذلك.
أخبرنا عبد الوارث ثم ساق السند إلى أن قال: حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة». قال وما هي يا رسول الله؟ قال: «أخاف عليهم من زلة العالم. ومن حكم جائر. ومن هوى متبع».
وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله» هذا لفظ أب عمر في جامعه.
وكثير بن عبد الله المذكور في الإسناد ضعيف. وأبوه عبد الله مقبو ل.
ولكن المتنين المرويين بالإسناد المذكور كلاهما له شواهد كثيرة تدل على أن أصله صحيح.
ثم ذكر أبو عمر بن عبد البر في جامعه بإسناد عن زياد بن حدير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ثلاث يهدمن الدين: زلة عالم. وجدال منافق بالقرآن. وأئمة مضلون.
ثم ذكر بالإسناد المذكور عن ابن مهدي عن جعفر بن حبان. عن الحسن قال: قال أبو الدرداءك إن فيما أخشى عليكم زلة العالم. وجدال المنافق بالقرآن. والقرآن حق وعلى القرآن منار كأعلام الطريف.
ثم أخرج بإسناده عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يقول في مجلسه كل يوم. قلما يخطئه أن يقول ذلك «الله حكم قسط هلك المرتابون إن وراءكم فتنًا يكثر فيها المال. ويفتح فيها القرآن. فما أظن أن يتبعوني حتى أبتدع لهم غيره. فإياكم وما ابتدع. فإن كل بدعة ضلالة. وإياكم وزيغة الحكيم» إلى ىخر ما ذكره رحمه الله من الآثار الدالة على نحو ما تقدم من أن زلة العالم من أخوف المخاوف على هذه الأمة.
وإنما كانت كذلك لأن من يقلد العالم تقليدًا أعمى يقلده فيما زل فيه فيتقول على الله أن تلك الزلة التي قلد فيها العالم من دين الله. وأنها مما أمر الله بها ورسوله. وهذا كما ترى والتنبيه عليه هو مراد ابن عبد البر.
ومرادنا أيضًا بإيراد الآثار المذكورة.
ثم قال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه ما نصه:
وشبه الحكماء زلة العالم بانكسار السفينة. لأنها غذا غرقت غرق معها خلق كثير.
وإذا صح وثبت أن اعالم يزل ويخطىء. لم يجز لأحد أن يفتي ويدين بقول لا يعرف وجهه.
وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى ثم ساق السند إلى أن قال: عن ابن مسعود أنه كان يقول: «اغد عالمًا أو متعلمًا ولا تغد إمعة» فيما بين ذلك.
ثم ساق الروايات في تفسيرهم الإمعة.
ومعنى الإمعة معروف.
قال الجوهري في صحاحه: يقال الإمع والإمعة أيضًا للذي يكون لضعف رأيه مع كل أحد. ومنه قول ابن مسعود: لا يكونن أحدكم إمعة. اه. منه.
ولقد أصاب من قال:
شمر وكن في أمور الدين مجتهدًا ** ولا تكن مثل عير قيد فانقادا

وذكر ابن عبد البر بإسناده عن ابن مسعود في تفسير الإمعة أنه قال:
كنا ندعوالإمعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام فيذهب معه بغيره. وهو فيكم اليوم المحقب دينه الرجال.
ثم ذكر أبو عمر بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
ويل لأتباع. عثرات العالم. قيل كيف ذلك؟ قال: يقول العالم شيئًا برأيه ثم يجد من هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه فيترك قوله ذلك ثم تمضي الأتباع.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل بن زياد النخعي. وهو حديث مشهور عند أهل العلم. يستغنى عن الإسناد لشهرته عندهم:
يا كميل إن هذه القلوب أو عية. فخيرها أو عاها للخير. والناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة. وهجم رعاع أتباع كل ناعق. لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق. إلى آخر الحديث.
وفيه: أف لحامل حق لا بصيره له. ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة. لا يدري أين الحق. إن قال أخطأ وإن أخطأ لم يدر. مشغوف بما لا يدري حقيقته. فهو فتنة لمن افتتن به. وإن من الخير كله من عرفه الله دينه. وكفى بالمرء جهلًا أن لا يعرف دينه.
ولا شك أن المقلد غيره تقليدًا أعمى يدخل فيما ذكره علي رضي الله عنه في هذا الحديث. لأنه لا يدري عن دين الله شيئًا إلا أن الإمام الفلأني عمل بهذا.
فعلمه محصور في أن من يقلده من الأئمة ذهب إلى كذا ولا يدري أمصيب هو فيه أم مخطىء.
ومثل هذا لم يستضىء بنور العلم ولم يلجأ إلى ركن وثيق لجواز الخطأ على متبوعه. وعدم ميزه هو بين الخطأ والصواب.